الأقصى في خطر وجودي- موسم الأعياد اليهودية وذكرى طوفان الأقصى

المؤلف: د. عبد الله معروف10.11.2025
الأقصى في خطر وجودي- موسم الأعياد اليهودية وذكرى طوفان الأقصى

دأب البعض كل عام على تسليط الضوء على فترة التهويد الأشد وطأة في المسجد الأقصى، والتي تتزامن مع الأعياد الدينية المتلاحقة بدءًا من عيد رأس السنة العبرية وحتى نهاية عيد العُرش (سوكوت).

لكن الوضع الراهن يتجاوز مجرد التنبيه إلى المخاطر المعتادة أو الاعتداءات السنوية المتكررة على المسجد الأقصى. اليوم، نحن أمام تهديد وجودي حقيقي يمس جوهر وكيان هذا المعلم الإسلامي المقدس، ويتزامن ذلك مع مرور عام كامل على العدوان الإسرائيلي الشرس على الشعب الفلسطيني، والذي أعقب عملية "طوفان الأقصى" التي انطلقت في اليوم الأخير من عيد العُرش العام الماضي.

فمن بين سلسلة الأعياد الدينية التي يحتفل بها المستوطنون في القدس، والتي يعتبر المسجد الأقصى محورًا أساسيًا لها، يبرز هذا الموسم كأطولها، حيث يمتد على مدار 22 يومًا حافلة بالمناسبات والطقوس الدينية التي تدور في معظمها حول فكرة "الهيكل" المزعوم، الذي تعتقد جماعات المستوطنين المتطرفة في إسرائيل بأنه يجب أن يحل محل المسجد الأقصى.

تستهل هذه الفترة بما يسمى "عيد رأس السنة العبرية"، الذي تدعو فيه العقيدة الدينية لهذه الجماعات المتطرفة إلى ممارسة طقوس خاصة، وعلى رأسها النفخ في البوق داخل المسجد الأقصى، إيذانًا ببدء العام العبري الجديد.

ويصادف هذا العيد هذا العام يومي 3 و4 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وشهدت الأعوام الثلاثة الماضية قيام متطرفين بالنفخ في البوق داخل المسجد الأقصى، حيث جرى ذلك بسرية في عامي 2021 و2022، قبل أن يتم النفخ علنًا وتوثيقه بالفيديو في العام الماضي، في سابقة خطيرة منذ احتلال المسجد الأقصى قبل 57 عامًا. ومن المتوقع أن يشهد هذا العام اقتحامات واسعة النطاق للمسجد، بالإضافة إلى تكرار حادثة النفخ في البوق، ربما برعاية رسمية من الحكومة الإسرائيلية هذه المرة، وبحضور ومشاركة بعض المسؤولين الإسرائيليين.

لم يعد المسجد الأقصى مهددًا فقط بالاعتداءات المعتادة، بل يواجه خطرًا وجوديًا يهدد كيانه بالكامل

وبالتزامن مع عيد رأس السنة العبرية، تبدأ ما تسمى "أيام التوبة"، والتي تستمر حوالي عشرة أيام حتى 12 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وخلال هذه الأيام، يحرص المستوطنون على اقتحام المسجد بأعداد غفيرة، مرتدين ملابس بيضاء خاصة تسمى "ملابس التوبة"، ويقيمون صلوات خاصة تسمى "بركات الكهنة". وشهد العام الماضي تصعيدًا ملحوظًا في هذه الصلوات دون أي رد فعل.

لذا، من المؤكد أن يشهد هذا العام تنفيذ طقوس دينية علنية داخل المسجد، وعلى نطاق أوسع بكثير من العام الماضي، خاصة مع حلول الذكرى السنوية الأولى بالتقويم الميلادي لأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول خلال هذه الأيام. لذلك، ليس من المستبعد أن تحاول جماعات الهيكل المتطرفة، وبدعم من الحكومة الإسرائيلية، استغلال هذه الذكرى لتعزيز وجودها في المسجد الأقصى بقوة أكبر من أي وقت مضى.

وبعد انتهاء "أيام التوبة"، يحلّ يوم الغفران، وهو أهم وأقدس الأعياد اليهودية على مدار العام. ووفقًا للنصوص الدينية، يُفترض أن يكون هذا اليوم هو الوحيد الذي يُسمح فيه للحاخام الأكبر بدخول منطقة "قدس الأقداس"، التي تعتقد الجماعات الدينية في إسرائيل أنها الصخرة الموجودة داخل قبة الصخرة المشرفة، لأداء صلاة خاصة.

إلا أن هذا الأمر لا يتم عادة بسبب عدم بناء الهيكل الثالث حتى الآن، وفقًا لتفسير هذه الجماعات، بالإضافة إلى معارضة الحاخامية الكبرى في إسرائيل لمبدأ دخول اليهود إلى المسجد الأقصى لعدم استيفاء شرط الطهارة الدينية. وتعوض هذه الجماعات المتطرفة عن ذلك بتنظيم اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى في ذلك اليوم. ومن المتوقع أن يتكرر هذا الأمر هذا العام في يوم الغفران الذي يوافق 13 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

كما تحاول هذه الجماعات المتطرفة في هذا العيد إدخال قربان حيواني خاص إلى المسجد الأقصى. وتجدر الإشارة إلى أن إدخال القرابين الحيوانية هو الطقس الديني الوحيد الذي لم تتمكن جماعات الهيكل المتطرفة من تنفيذه حتى الآن داخل المسجد الأقصى المبارك. لذلك، ليس من المستبعد أن تحاول هذه الجماعات إجراء تجربة في يوم الغفران هذا العام، على سبيل المثال، لتقييم مدى إمكانية تنفيذ هذا الطقس خلال عيد الفصح الذي يحل في فصل الربيع، والذي يعتبر الموسم الأهم بالنسبة لهم.

يعتبر هذا الموسم الأطول والأكثر أهمية لجماعات الهيكل، مما يزيد من التحديات التي يواجهها الأقصى

وبعد انتهاء يوم الغفران بأربعة أيام، يبدأ عيد العُرش "سوكوت"، الذي شهد العام الماضي إطلاق عملية "طوفان الأقصى" في يومه الأخير. ويمتد هذا العيد هذا العام من 17 إلى 23 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ويليه مباشرة اليوم الأخير المسمى "سمحات توراة" (أي فرحة التوراة).

وخلال هذه الأيام، يتعرض المسجد الأقصى عادة لموجة عارمة من الاقتحامات التي تصاحبها الطقوس الدينية، وإدخال ثمار العُرش التي تعتبر "قرابين نباتية". إلا أن هذا العام يكتسب أهمية استثنائية باعتباره الذكرى العبرية الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، علمًا بأن هذه الجماعات تعتمد التقويم العبري في تحديد مناسباتها.

وبالتالي، فإن الذكرى العبرية الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، والتي تصادف 24 أكتوبر/تشرين الأول، تحمل دلالات كبيرة بالنسبة لهذه الجماعات ولتيار الصهيونية الدينية الذي يهيمن على الحكومة الإسرائيلية. ومن المنطقي أن تسعى جماعات الهيكل المتطرفة إلى تحويل هذا اليوم إلى مناسبة للانتقام من الأحداث التي وقعت في تمام الساعة السادسة والنصف من صباح ذلك اليوم من العام الماضي، عندما اقتحمت المقاومة الفلسطينية غلاف غزة العازل وتوغلت في البلدات والمستوطنات المحيطة بالقطاع.

وتجدر الإشارة هنا إلى الفيديو الذي نشره المتطرف موشيه فيجلين، عضو الكنيست عن حزب "الهوية" المتطرف، قبل أسابيع، والذي كشف فيه عن رؤية اليمين المتطرف في إسرائيل للصراع الحالي، والتي تقوم على فكرة أن المسجد الأقصى هو الساحة الوحيدة التي يمكن لإسرائيل أن تحقق فيها نصرًا استراتيجيًا يمحو عنها وصمة عار السابع من أكتوبر/تشرين الأول. فالجيش الإسرائيلي يتخبط في الإخفاقات على الجبهتين الشمالية والجنوبية، مما يدفع هذه الجماعات إلى محاولة إعلان النصر في المسجد الأقصى كتعويض عن الإخفاقات الحالية.

وفي هذا السياق، يتبادر إلى الأذهان الفيديو الذي نشرته جماعة "أبناء جبل موريا" قبل أيام، والذي ظهر فيه المسجد الأقصى وهو يحترق مصحوبًا بعبارة "قريبًا، في هذه الأيام". وتحمل هذه الإشارة معاني في غاية الخطورة على المسجد الأقصى. وللتوضيح، فإن هذه الجماعة التي أسسها المتطرف ديفيد بن موريا تعتبر بمثابة الذراع الشبابية لمنظمات كاهانية متطرفة. ويعتبر أعضاء هذه الجماعة أنفسهم تلاميذ للحاخام "أليشع ولفسون" في "مدرسة جبل الهيكل الدينية" التي تتخذ من المسجد الأقصى مقرًا رسميًا لها. وقد ظهر هذا الحاخام في فيديو شهير يبشر بـ "معجزة" وشيكة في المسجد الأقصى.

ويعتبر هذا الحاخام بدوره تلميذًا للمتطرف باروخ مارزل، السكرتير السابق لحزب "كاخ" الإرهابي والذراع اليمنى للحاخام المتطرف مائير كاهانا، وللحاخام يهودا عتصيون، مؤسس حركة "حي وقيوم"، وأحد الحاخامات الذين تورطوا في محاولة تفجير قبة الصخرة المشرفة في ثمانينيات القرن الماضي، لولا اكتشاف هذه المحاولة من قبل حراس المسجد الأقصى.

استغلال الذكرى السنوية لعملية طوفان الأقصى لتمرير رسائل سياسية ودينية يعمق خطر التهويد

تشير هذه الحقائق إلى أن هذه الجماعات قد تخطط لشن هجوم غير مسبوق على المسجد الأقصى في الخفاء، مستغلة الأوضاع المأساوية التي يمر بها المسجد. ولا ينبغي أن ننسى أن عددًا من أفراد هذه الجماعات يشغلون الآن مناصب في شرطة الاحتلال المسؤولة عن المسجد الأقصى، بعد أن قام الوزير المتطرف إيتمار بن غفير بإدخالهم إلى سلك الشرطة بمجرد توليه منصبه في وزارة الأمن القومي.

وخلاصة القول، إن المسجد الأقصى المبارك يخوض حاليًا معركة وجود بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ويحمل الموسم القادم دلالات خطيرة جدًا بالنسبة لتيار الصهيونية الدينية وتيارات اليمين المتطرف في إسرائيل وخارجها على حد سواء. وترى هذه الجماعات أن الظروف باتت مواتية الآن لتفجير المنطقة بأكملها وفقًا لرؤيتها الدينية الخلاصية حول قرب ظهور المسيح، وأن المسجد الأقصى يمثل الأرضية المناسبة لتنفيذ مشروعها على أرض الواقع، مستفيدة من حالة العجز العربي والإسلامي غير المسبوقة على المستويين الرسمي والشعبي فيما يتعلق بحماية المسجد.

لذا، فإن الردع الجماهيري الحازم للاحتلال ومستوطنيه بكل الوسائل المتاحة أصبح ضرورة ملحة تقع على عاتق المقدسيين أولًا، باعتبارهم العيون الساهرة وخط الدفاع الأول عن المسجد، وكذلك على سكان مناطق الخط الأخضر باعتبارهم القوة الثانية من حيث إمكانية الوصول إلى المسجد الأقصى والدفاع عنه بفاعلية، وأيضًا على سكان الضفة الغربية باعتبارهم الحاضنة الطبيعية للقدس وأهلها.

ولا يعفي ذلك أي شخص قادر على الوصول إلى المسجد من أي مكان في العالم من مسؤوليته في الدفاع عن المسجد، وصولًا إلى عموم العرب والمسلمين في كل مكان، الذين يجب أن يمارسوا ضغطًا حقيقيًا على حكوماتهم لإلزامها بالتحرك على كافة الأصعدة وبمختلف المستويات لحماية المسجد فعليًا، لا بمجرد إصدار بيانات الاستنكار والتحذير.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة